مشهد من فيلم قص ولصق
هناك أفلام تجتهد في رصد المجتمع وتضع عين الكاميرا كرقيب يتابع المحيط الخارجي لحياة الانسان، وهناك أفلام تغوص في داخل النفس الانسانية، وتسير فى أغوارها المظلمة، وبين هذا وذاك هناك أفلام تتأرجح مثل بندول الزمن في المنطقة الفاصلة بين الداخل والخارج، وإلى هذه النوعية ينتمي فيلمى ""استغماية" و "قص ولصق" الأول لعماد البهات أخر تلاميذ يوسف شاهين والثانى لهالة خليل تلميذة محمد خان وداود عبد السيد و غيرهم من نجوم الاخراج فى سينما الزمن الجميل..
كلاهما حالة سينمائية" شديدة الخصوصية ليس فقط لأنهما (عماد وهالة) يتحملان مسئولية التأليف الى جانب الإخراج، ولكن لأنهما استخدما طريقة سرد مختلفة عن المطروح والمتداول فى سوق السينما الأن ، ما يتيح للمتلقى أن يتفاعل بهدوء مع الشخصيات، ويعبر عما بداخله من صراعات تتشابه الى حد بعيد مع مايعانيه أبطال الفيلم، فى حالة من التماهي قد تصل بالمشاهد فى النهاية لأحد طريقين إما مزيد من اللخبطه والتأزم، وإما إلى حالة من التوازن والسلام الداخلي....
كلاهما يرى الحياة بوصفها لعبه، نشتبك معها ونمارسها بأشكال ووجوه متعدده، فبينما يتناول "إستغماية " فكرة الأقنعه التى يرتديها البعض باعتبارها حيلة أو وسيلة للاختباء من الآخرين، وأحيانا للاختباء من الذات أيضا، متطرقا لقدرة آخرين على الوصول الى حالة سلام نفسى وهدوء يبطل أنين الصراع الداخلى من كل "اللخبطه" النى نعانيها داخلنا وتنعكس على تصرفاتنا وإختياراتنا المستقبليه سواء بسبب التنشئة، أو بسبب صراع الأفكار المحيطه بنا.
مشهد من إستغماية
"قص ولصق" يؤكد أننا لايمكن أن نسير فى الحياة وفقا لخطه محكمة، مهما كانت عبقرية الخطة أو قدرة صاحبها على تنفيذها، فثمة تداخلات تدفعنا لتغيير النص وتعديل الخريطه قهرا، عمدا، سهوا ، لافرق، صحيح بعضنا قد يملك رفاهية الإختيار، و ربما النجاح فى تحقيقه والحفاظ عليه، ولكن ستظل هناك دائما مساحات تخضع لقانون الدوائر الغير مكتمله والذى بنيت عليه فكرة الفيلم، فموقف قد يصل بك لأخر يغير حياتك تماما وهكذا..
أما "إستغماية" فلم يلجأ البهات إلى حيلة الاختباء في المكان وفقط، و لكنه إختار أن يختبىء كل صديق فى شخصية الآخر، وسواء كان الإختيار صدفة أو بالإراده الحرة المتعمدة، إلا أنه كان كافيا لأن يكشف كل شخص عما يخبئه للآخر، أو يخبئه له الأخر، لتتوقف اللعبة ولكن لا يتوقف الإكتشاف، فكل منهم يبوح بما يخبئه للآخرين ولنفسه، وتسقط الأقنعة تباعا، ليكتشف الجميع الزيف الذى يعيشونه ويمارسونه بطرق وصور مختلفة سواء مع الآخرين أو مع أنفسهم، كما تكشف اللعبة عن حالة التخبط والإرتباك التى يعانيها شباب هذا العصر على وجه الخصوص، فخزائن الأسرار التى تنفتح تختلف من شخص لآخر، كما تختلف حسب درجة البوح والمكاشفة مع الذات والآخرين أيضا.
فى قص ولصق تتعامل هالة بنبل وشاعرية مع الهزائم النفسية والاجتماعية لأبطالها الذين يعانون من مشاكل أصابت حياتهم في العمق ودفعتهم إما للانزواء، أو الاغتراب، أو الاستسلام، أو التفكير في الهجرة، وتتساءل على لسان أبطالها "هل العيب فينا نحن أم فى البلد؟، بتعبير أدق هل الفشل فى التعامل مع معطيات الحياة وظروفها يكمن فى أفراده بوصفهم لا يملكون مؤهلات للنجاح، أم فى أصحاب النفوذ والسلطه الذين يضيقون الخناق على الجميع ومن ثم على الجموع الغير قادرة على التواءم الرحيل فى صمت غير باكية على أرض تطردهم منها... تلفظهم يوما بعد الأخر وتقهر كل أحلامهم ..
بين إستغماية و قص ولصق تدور الحياة وندور معها ...