Sunday, May 06, 2007

رقصة الحياة

الحياة أتوبيس قديم، من السهل أن يتعطل ويتحول إلى وكر لصوص أو ذكرى مغلفة بالأتربة ومكدسة بالنفايات القديمة، ومن السهل إصلاحه ليمشي على "قد الحال"، أو تطويره ليلائم متغيرات الزمن..
هذه النظرة الرمزية طرحها فيلم "رقصة الحياة" أو "البوسطة"، وهو أول فيلم لبنانى (قلبا وقالبا) يعرض تجاريا على شاشات العرض المصرية، بعيدا عن المهرجانات و الإحتفالات الثقافيه، مخترقا حصار الأفلام الأمريكية بوصفها السينما الوحيدة التى يشاهدها الجمهور المصرى إلى جانب الأفلام المحلية.
الفيلم أنتجه المخرج والمؤلف فيليب عرقتنجى عام 2005، وقد صنع شهرته من العرض التجارى بلبنان، وأيضا عبر المشاركة فى العديد من المهرجانات الدولية، لما يطرحه من رؤى مثيرة للجدل، ولما يتركه داخلنا من بهجه وما يحركه من شجون أيضا.

الرسالة العامة للفيلم تقول ببساطة أن ما تدمره الحروب قد يستعيده الفن، لكن هذا التغيير يظل مرهونا دائما بإرادة الجماهير برغم صعوبة كسر عاداتهم أوتغيير إنتماءاتهم وإحتياجاتهم التي تتوافق عادة مع السائد والمتداول من حولهم حتى لو كان سيئا.

تدور أحداث الفيلم حول فرقة شبابيه تسعى للمشاركة فى مسابقة وطنية لإختيار أفضل فرقة ترقص الدبكة، وهنا يتصادم الجديد بما يحمله من متغيرات ومستجدات، مع الماضى بكل ما تحفظه ذاكرتنا من تراث تحول بفعل الثبات الى رموز "مقدسة" لاتقبل الجدل، ومن ثم التغيير أى ما كانت المبررات أو الأسباب، وهو ما يدفع كمال مدير الفرقة العائد بعد 15 عاما من الغربة الى التجوال داخل ربوع لبنان عارضا فنه (الدبكة/التكنو) نسبة لما أدخله على موسيقاها من آلات وإيقاعات غربية)، مشتبكا و أعضاء فرقته (الذين شاركوه في الماضى سنوات الصبا والطفولة قبل أن تبعثرهم الحرب والشتات لسنوات طويلة)، مع قواعد هذا الفن (الدبكة) القابع بأمان فى ذاكرة اللبنانيين، الراسخ بثبات فى وجدانهم.
و خلال الرحلة لا يتوقف الاشتباك عند طرح إشكالية الأصالة والمعاصرة بشكل نظري أو من خلال حوارات ثقافية، بل يمتد التفاعل بشكل انساني نحو حياة أعضاء الفرقة وما يربطهم من علاقات، ويتغلغل الصراع داخليا لنتعرف على الجذور والذكريات وكأنها رحلة لإكتشاف الذات بكل مافيها من هزائم و إنكسارات لازالت عالقة بالأرواح لتعيق فكرة التجاوز.هذه الروح المنكسرة في العمق هي التي تمنع الانطلاق بقوة نحو الحلم والأمل نحوغد أجمل، وهو ما بدا واضحا فى علاقة كمال بأبيه مدير المدرسة ومؤسس الفرقة الذى راح ضحية الغدر أثناء الحرب الأهليه، وهي الحرب التى تعمد المخرج أن يحتفظ بها على هامش أحداث الفيلم لتلقى بظلالها على شخوصه، من دون أن نراها بشكل وثاقي مباشر، ولكن من خلال الشخصيات التي تحكى عن مدى تأثيرها عليهم، ويلمح لنا الفيلم إلى نجاح "رحلة الحكي" فى تخليص الشخصيات من مشاكل الماضي الثقيلة، حيث أصبحت العلاقات بين الأصدقاء القدامى والجدد أكثر شفافيه، وأكثر قدرة على تجاوز الماضى بكل آلامه وإنكساراته، كما بدت الرغبة أكثر قوة في تحقيق الأهداف الواضحة، بل والأحلام المستحيلة أيضا.



فى البوسطه يستعيد الأصدقاء ومن حولهم حياة ظلت متجمده، ومعطلة لسنوات طويله، تماما مثل الأتوبيس العتيق الذى إستقلته الفرقة فى رحلتها، حيث يرمز للماضى وكيف يمكن له أن يتواءم مع المستقبل شريطة أن يقبل التغيير، وهو ما حرصت عليه الفرقة بتجديدها له و محاولاتها إضفاء روح الشباب عليه.
بلا شك كانت المخرجة نادين لبكى هى مفاجأة الفيلم، حيث بدت واعية تماما بأبعاد الشخصية وما تحمله داخلها من كبت وقهر، إشكاليات و إحباطات عديدة ربما أبرزها إختيارها بإرادتها الحرة إنتظار حبيبها كمال مهما طالت غربته، ودونما وعد صريح من جانبه، وكأنها كانت تتحين فرصة مشاركته الحياة والأهم حلمه بتطوير الرقص عموما والدبكة على وجه الخصوص "كرما إله" كما دأبت على القول دوما، أما رودنى حداد والذى جسد دور كمال فلقد نجح هو الآخر فى ترجمة إنفعالات الشخصية وصراعاتها الداخلية والخارجية أيضا، تحديدا ماهية رؤيته للحياة والفن.
على نفس الدرب من الإجادة صارالجميع من ليليان نمري، التي تتجاوز موهبتها حجم بدانتها وخفة ظلها، إلى ندى أبو فرحات فى دور راقصة الفرقة المسيحية التى تحب زميلها المسلم عمر راجح وبالطبع يحول إختلاف الأديان دون إرتباطهما بالزواج وإن لم يمنعهما من الصلاة لله كل بطريقته.
مرة أخرى "البوسطة" هو رقصة الحياة والحب، بكل مافيها وما تعبرعنه، تتغير مع إيقاع الحياة وبإحساسنا بها، وهو ما نجح مخرج الفيلم فى رصده بدقة وبلغة سينمائية شديدة الخصوصية ومن خلال مشاهد كثيرة ربما أبرزها اللوحة الإستعراضية والتى تحدت فيها الفرقة الشابة فريق "قدامى الدبكة" بإحدى القرى ذات التقاليد الصارمة و المحافظة على مجمل عاداتها وتقاليدها وتراثها وفى مقدمتها "الدبكة"، أيضا آخر مشاهد الفيلم والتى تشع بهجة وحب الكل فيها يرقص على إيقاع الحياة لحنا لا ينكر القديم أو يسخر منه، كما لا ينحاز للجديد الى حد التغريب، الكل فيها يتجاوز الألم والانكسار لغدِ أخر أكثر إشراقا

23 comments:

شيمـــــاء said...

عحبتنى فكرة الفيلم ا و افكار الفيلم اوى وعرضك ليه

فعلا الحياة زى الاتوبيس اللى ممكن يعطل فجاة

Anonymous said...

nice 2 c u posting new topics .....happy 2 c u active like that

ur friend
Shady

... said...

عزيزتى
هل أقول أنك ربما ترين بعين جميلة فتتحين فرص الجمال لتقتنصها
لا أدرى لماذا أشعر أن الفيلم لن يكون بروعة سردك لأحداثه
ربما لأنك تحسين الفيلم ..لا تتبعين مشاهده
ترين في كل أمر عمق وحكمة.. أسعد بالوجود عندك
أنظر لما سبق
وأنتظر مع المنتظرين

bastokka طهقانة said...

فكرة الفيلم قوية
و نقدك ليه عميق
كاني دخلته من وصفك ليه
فنانة

ما تدمره الحروب قد يستعيده الفن


اوروفوار

حائر في دنيا الله said...

وكأن الدنيا الكبيرة ما هي إلا أتوبيس كبير نجتمع فيه، نتلاقي فيه بشخوصنا المختلفة وأفكارنا المتناقضة ونظرتنا للتراث والمستقبل المتصارعة هل نظل على وعد الماضي أم نترك نفسنا للمستقبل
أم نضيع بين الاثنين

أظنني لن أعجب بالفيلم قدر إعجابي بسردك ووصفك له، ولكني سأحاول مشاهدته حتى أطبق ما فهمته منك


لك تحياتي

غادة الكاميليا said...

محتاجه أشوف الفيلم ده بجد وبالأخص لو كان بيحمل نفس التعبيرات اللى اتقدمت لأنها خدتنى جدا أنتى دوما تتقنين الجمال

admelmasry said...

برااااااافو
.
نقد الفيلم بصراحه زي ما عودتيني يحمل لمسات فنيه لناقد محترف يعرف ازاي يطلع قلب الفيلم ويعرضه للجمهور
.
.
كملي الجميل بقي وقولي هو في سيما ايه عشان نروح نشوفه احنا كمان
.
.
وياسلام بقي لو معاه تذكرة مجاني يبقي ايه فيلم حكاية
.
تحياتي والسلام

Gid-Do - جدو said...

العزيزة بعدك على بالى

اشكر مرورك على مدونتى واشكرك للسؤال عنى ـ انا والحمد لله بخير ـ تحياتى

حاول تفتكرنى said...

بعدك على بالى

حقيقي
أحترنا معك


تحياتي

علان العلانى said...

العزيزة بعدك على بالى

جميل حكيك وأجمل منه رؤيتك
اتابع قراءتك للنصوص البصرية بانتباه واتأمل فى الخيوط بينها وبين رؤيتك كما تعبر عنها نصوصك وحكياتك احلامك واحزانك ومقاومتك لموالد النسيان وتجاوزاتك أنت
الألم والانكسار

لك التحية والتقدير
وقبل ذلك وبعده الاحترام

BaTresYa said...
This comment has been removed by the author.
BaTresYa said...

بجد شوقتيني أدخله ...الفيلم مغزاه حلو جدا وحاسه انه فيه عمق ورساله ..أن الجديد أمتداد للقديم وله فلسفه عاليه ..بجد اسلوبك رائع في السرد وشيق

صاحب البوابــة said...

يظهر من طريقة عرضك

ان القيلم مشوق

تحياتي لك

maged stephen said...

أتمنى أن تقرأى الرد من جانبى على تعليقك فى مدونتى شاطئ المصير
حيث أننى كتبت الرد منذ فترة طويلة
الانسان مش بيعرف الاخر بالعافية وبالتأكيد لاحظتى عدم وجودى فى مدونتك منذ كتابة تعليقك
عن جد
لا أرغب فى المناقشة
لا أرغب فى الجدال
لا أرغب فى أى شئ قد يتسبب فى ازعاجك
لأن كل انسان لديه ما يكفيه
أن لم تمانعى
فقط
أرجو من فضلك ولو كتابة كلمات قليلة تفيدنى بأنكى قرأتى الرد فى مدونتى
دومتى كما تتمنين

bastokka طهقانة said...

تعالي زوريني
اوروفوار

Reemo said...

قريت عن كتير عن الفيلم
وازاى انه بيعتبر نقطه انطلاقه للفيلم اللبنانى
وانه فيلم ممتع قصه وتمثيلا ودراميا
اعتقد ان وصفك للفيلم كان فى محله ومشوق
تحياتى

راجل أديم said...

أحترم قراءاتك
شكرا لك

maged stephen said...

شكرا على الاهتمام بالرد
شكرا على كل شئ

دومتى كما تتمنين

مجدى سرحان said...

رائعة


دائما

voice of love said...

i've tagged you.
miss you.

Anonymous said...

المفروض أني كلبناني ومحب للسينما أن أكون شاهدت هذا الفيلم .. لكن للأسف لظروف الغربة عن البلد لا أستطيع مواكبة كل ما يحصل هناك في الحركة الفنية أو الأدبية .. ربما لأننا تعودنا مواكبة الأحداث السياسية وأصبحت هي سينما الواقع الذي نتابعه ساعة بساعة .. لذلك أشكرك جدا على هذا العرض هنا والرؤية التي عرّفتينا من خلالها على هذا الفيلم .. وبالتأكيد سأحرص على مشاهدته قريبا بطريقة ما ..
شكرا مرّة أخرى .. اسلوبك رائع

جـو غانم

www.joe75.jeeran.com

Anonymous said...

انني في كل مرة أحاول ان أكون واحد من هؤلاء
أفكر كما هم يفكرون
أحلم كما يحلمون
أتمني ما يتمنون
غير انني دوما أراني امضي في تجاه عربة القطار و ليس فرارا منها
فانا لا أؤمن بالصراع بين القديم و الجديد
لا أراه
لا أعرفه
مؤكد ان أباك قد رباكي علي القيم و المثل فهل يمكن ان يكون هناك لدينا قيم و مثل عريقة و اخري متمدنه
هل هناك صدق قديم و اخر حديث
هناك امانة قديمة و اخري حديثة
تعالي لرباط العنق و البدلة و الفستان و و الحذاء و ما يدعي البعض فيه التطور و الحداثة اننا نجد ان حداثة اليوم هي من تداعيات الامس لا اكثر
هذا ان كان يمكن ان يكون هناك سبب لما يدعي بالحداثة
فانا لا افهم مهني أو فرق ان يكون لدينا موسيقي قديمة و اخري حديثة
و مع احترامي الشديد للفرقة الموسيقية التي راحت تجول البلاد ربما لو قدم لنا الفيلم فرقة اخري تجول مثلهم ليبحثوا عن انقاض منازلهم التي دمرتها الحرب
او بقايا رفات شهداء قدموا حياتهم لمن ما زالوا يحيون بينا ربما لكان افضل بعيدا عما شاهدته من ابتزال في الصور
مع خالص اسفي لكل من علق قبلا
مع خالص اسفي لصاحب الموضوع
تحياتي

افلام اون لاين said...

مشكووووووووووووووووووور